الخميس، 4 سبتمبر 2008

قصص قصيرة - العودة..

"قرأت عنه في الصحف..
خبر وفاته يتصدر الصفحات الأولى..
اقرأه في جريدة الأمس..
أو جريدة اليوم..
اقرأه حتى في جريدة الغد..
لا فارق..
لقد بات رقما ما..
في قوائم الموت الطويلة.."
**-------**
لم يغمض له جفن بطول الليل..وما أطوله ليل..
لم ينقطع فيه تفكيره..لم يهمد ذهنه عن أفكار ظلت تروح و تغدو..تذهب به لأقصى الأرض..تعبر أجوازا شاسعة من الخيال..ثم لا تلبث أن تعود به إلى واقعه من جديد..
فما أشبهه حينئذ لمن يريد ملك الدنيا..ما أشبهه لمن يريد أن يكشف غموض مستقبله..فيعبر حدود حاضره..
بل ما أشبهه بمن سقطت منه حسابات الدنيا..ولم يسترجعها..
لكن.. هل يعرف أحد فيم يفكر؟
هل يعرف أحد ما يريد؟
*********
حتى إذا انزاح وجه الليل,وعاد إلى الدنيا الفجر الجديد..كان قد حزم الأمر لنفسه..
سيعود..
سيعود إلى وطنه..
حسبك من غربتك يا هذا.. قد ترامت بك أطراف الدنيا..وقذفت بك في أبعد ثناياها..
قد ظللت تحلم طويلا أن تعود ..إلى وطنك الذي تشرق فيه الشمس بنور تزهو به الدنيا..وتسترجع فيه ذكرياتك, تلك التي باتت من فرط قدمها كآثار لا تزال تملك بعض الخلود..
سيعود إلى وطنه..ليحارب الغزاة ويقاوم المحتلين..
سيعود إلى وطنه..ويناضل ضد الغرباء..
*********
هلم يا رجل..سر حثيثا..فطريق العودة قد فتح على غير المعتاد..
و إلى الأفق البعيد تتبدى مركبات قد ازدحمت بمثله من اللذين استبد بهم الحنين إلى الوطن..
بدأت الحماسة تغزو قلبه,وتملأ نفسه..تذهلها عن كل تغيير طرأ على هذه الدنيا القديمة..
لم يلتفت سمعه لكل الأصوات من حوله..كان في شغل بهتافات مدوية بالفرحة..
ربما تدوي من داخله..
"ها قد عدت..
وسأنتصر.."
********
وفي مكمنه يرتجف في الظلام.. البرد القارص..والسحب التي تنذر بالسوء..
الآن هو على الجبهة..القتال يستعر..الحشود تستنفر في كل مكان..
فيوم التلاقي العظيم قد اقترب كثيرا..
ولم يشغله ذلك عن التفكير..أن يعود بذهنه إلى ذكريات مختزنة بداخل عقله..وأحلامه الحيرى لا تزال تبدو لناظريه..لم يلبث طويلا كي يحققها..البيت,الأهل,الأطفال اللذين لم يعودوا كذلك..
بعد تدريب بسيط,أعطوه بندقية قديمة..فأصبح جاهزا ليكون في خط النار..
ليكون هو خط النار..
قالوا بشجاعتك,تصبح البندقية مدفعا..تدمر مصفحات الأعداء..
كل ما يملك بندقية قديمة..وعاطفة مشبوبة..
قالوا أن النصر قريب..النصر لنا..يكون لك بإيمانك..
قالوا ثلاث كلمات..صوب..اضرب..اقتل..
ذاك أساس القتال..
وعلى ذلك,تكوم على نفسه..وهو لا يزال يرتجف..من البرد..أو من الخوف..
وغمغم قائلا..
"سأعود.."
*********
وكأنما فتح باب من الجحيم..
انفجارات تدوي..بعد صوت الطلقات..ثم تأخذ الصرخات دورها في سمعه..
قتال غير متكافئ أبدا..
ويأتي الصوت الغامض من مكان ما..
صوب..اضرب..اقتل..
في تلك اللحظة كان يفكر..(ربما من اليأس)
"سأنتصر..
سأعود.."
**********
وفي لحظة ما..لا يعد هناك من شيء..
ينتهي الأمر..وتثبت الأيام كم كذبت أحلامه..
لم ينتصر..
ولم يعد..

"يشهد بذلك فتات جسد امتزج بنثار الأرض..
فياله من نصر..
ويالها من عودة.."
( تمت )

الطب وسنينه - تحذير..الطب ضار جدا بالصحة !!


بعد الضغوط الرهيبة التي مارستها الأمم المتحدة ، و بإيعاز من المجلس القومي لحقوق الإنسان ..تقرر انشاء لجنة تقصي الحقائق لمتابعة ما يحدث في كلية الطب ، حيث التأثيرات الرهيبة ، والتجاوزات اللاانسانية التي تمارس بانتظام ضد طلبة الكلية..
هذه الضغوط – قسناها بجهاز الضغط – بدأت بملاحظات حول الحالة المزرية التي يكون فيها الطلبة ، والتي يبدأ أثرها بعد دخول الكلية مباشرة ، وتظل تسوء بمعدل ثابت ، حتى يتخرج الطلبة بعد سنين الدراسة – يديك طولة العمر – إلى الحياة العملية..
وتؤكد الدراسات الجادة أنه و بعد بحث شاق أجراه خبراء عالميون - من مركز الأبحاث العالمي في مملكة مدغشقر – أن كل واحد من هؤلاء الطلبة يدخل الكلية بمخ طبيعي ، ويخرج منها – أو لا يخرج _ بفردة جزمة قديمة.. وأحيانا فردتين.. !!
يقول الدكتور عبدربه ألفونسو " المسألة تبدأ من سنة أولى.. بفترة حضانة تختلف من واحد للتاني ، قبل ما تبتدي الأعراض المأساوية .. وفي الواقع احنا سجلنا حالات نادرة ابتدأت من بعد شهرين بس من سنة أولى.."
الأعراض التي تتراوح ما بين اكتئاب وبلاهة مطلقة.. مرورا بالتخلف العقلي وانعدام حالة التوازن، و قد تتطور إلى ضمور حاد في عضلات المخ.. هذه الأعراض تم الاتفاق على تسميتها باسم " متلازمة حمادة – تاتو " " Hamada – Tato Syndrome "-- .. نسبة لأول شهيدين في كلية الطب.. وبطبيعة الحال تم تسجيل هذه الأعراض في مراجع الطب العالمية.. والكتب كتير للي عايز يقرأ.. " المصير ".. " البداية والنهايه " .. " كتاب د. نظيرة ".. و" كيف ابتدأ كل شيء " ..إلخ..إلخ..
اللطيف في الموضوع كما يقول الدكتور سيد ألفونسو أن الأعراض دي بتيجي في صورة نوبات متكررة.. يعني المصاب يمكن يمارس حياته بشكل طبيعي تماما.. وعلشان كده أحيانا بيبقى اكتشاف الموضوع ده مش دايما في الوقت المناسب.. لدرجة إن المرحوم حمادة كان رئيس قسم "............. " في واحدة من الجامعات العريقة..وكان مرشح يبقى عميد.. أما تاتو فبقى عميد فعلا في نفس الجامعة..!!
وطبعا لأن اللجنة اتوضعت خصيصا لتقصي الحقائق ، فخرجت بشوية توصيات أهمها والكلام للدكتور عباس ألفونسو : واحد..صرف رواتب الخبراء الأجانب د. ألفونسو وأخواته.. اتنين.. صرف بدلات الخبراء الأجانب د. ألفونسو وأخواته..أربعة..- مافيش تلاتة ؟! - انشاء لجنة تقصي حقائق أخرى ، وتكون محايدة ، لتأكيد المعلومات السابقة ، وبذلك تقرر أن تكون برئاسة الدكتورة زليخة ألفونسو..!!!!
وطبعا كل ده تحت اشراف حضرة سعادة فخامة جناب السيد عميد الكلية المذكور أعلاه..!!!!

*******
انتم عايزين رأيي ؟؟
احنا ممكن نطبع ورقة مكتوب عليها العبارة دي : " تحذير.. الطب ضار جدا بالصحة..!! " وتبقى الحكاية زي السجاير.. وممكن كمان يحطوا عليها صورة الدكتور تاتو علشان الحكاية تبقى أكثر واقعية.. ويبقوا يوزعوا الورقة دي في مكاتب التنسيق في مصر كلها..
وقد أعذر من أنذر...!!!!
سلام..

الطب وسنينه - الوصايا العشر للنجاح في كلية الطب

مقتبسات من كتاب الجهلاء
لإبن الناظر الفوزي

1 ) لا تفكر :
التفكير خطيئة.. هذا هو ماتربينا عليه منذ الصغر..وهذا من عاداتنا وتقاليدنا العظيمة التي يجب أن نحافظ عليها..فيجب أن تتعلم أن لا تفكر..وحاول أن تجاهد نفسك الأمارة بالسوء..
أقصد الأمارة بالتفكير..

2 ) لا تسأل :
لا تسأل أي أحد عن أي شيء.. فلن يتطوع أحد لإجابتك.. بل وربما يخبرك بمعلومات مغلوطة..
اتبع غريزتك..اعتمد على نفسك..لتقوي في نفسك الإحساس بالمسؤولية..

3 ) لا تجادل :
وخذ ما يقال لك كأنه حقائق مسلم بها ، ولو قالوا لك بأن الشمس تشرق من المفرب..ولو قالوا ان الشمس لا تشرق أصلا..!
فلن تأت أنت – يا طالب – لتغير موازين الكون.. عفوا.. موازين الكلية..
ولسوف تسمع عبارة الطالب غير قادر على تقييم أستاذه..أبدا
طب اشمعنى ..؟! أهو.. غلاسة كده.. اعترض بقى..!
عامة ستسمعها قريبا.. وعندها..سوف تصدقني ..!ّ!

4 ) لا تصدق :
لاتصدق أي تصريحات تخرج من مبنى إدارة الكلية..ولا أي كلام يقال عن ارتفاع الدرجات آخر السنة.. أو ارتفاع مستوى الطلبة - أهم دول الحاجة الوحيدة اللي بتترفع في الموضوع ده !- بعد شهادة الأيزو..
وصدق الشائعات.. فهي تصبح دوما حقائق..

5 ) لا تحضر محاضرات :
لاتحضر محاضرات في الكلية أبدا..( طبعا باستثناء محاضرة رئيس القسم اللي بيحدد فيها الإمتحان )..المحاضرات رجس من عمل الشيطان.. الداخل فيها مفقود.. والخارج منها.. مفقود برضه !!

6) لا تذاكر :
من كتاب القسم..وفر منه فرارك من الكلب المسعور.. واعلم أنه من كان يملك كتاب القسم ، فقد باء بسخط الأساتذة أنفسهم.. ( مع أنهم هم اللي ألفوه !! ) .. ولو ذاكرت ، لا تقل لأحد أبدا..وإذا سألك أحد ، لا تذكر الحقيقة.. اتغابى..!
ابحث دوما عن ورق الدروس.. ابحث ولو في الصين.. واحفظ مذكرة الإمتحانات.. فهي دستورك في هذه الكلية..


7 ) ابحث عن الواسطة :
فهي مفتاح كل شيء في هذه الكلية..درجات مرتفعة مش تعرف جاية منين..الدكتور يدلعك.. تدخل لمكتب العميد.. تخرج من عنده سليم..المتحف يتفتح ليك مخصوص..تستلم علبتين شرائح مجانا.. تاخد جثة معاك البيت.. امتحانك الشفوي يكون في الأول بدل ما تترمي في آخر الدفعة..
وياريت تفتكر المثل اللي بيقول.. يابخت من كان رئيس القسم خاله..أو عمه..أو أبوه..أو أمه..إلخ..إلخ..

8 ) ابحث عن الدرس :
أينما وجد الدرس، وجد التفوق.. هذه مقولة عظيمة للمعلم الأعظم مش عارف مين كده.. وقالها في درس خصوصي بالمناسبة..
المهم .. ابحث جيدا.. وتذكر أيام الثانوية العامة بحسرة.. لأنك هاتبيع اللي وراك واللي قدامك علشان درس واحد بس..

9 ) كن وغدا :
أهم نصيحة في الليلة دي.. كن وغدا ..مع زملائك..مع أصدقائك..مع الجو بتاعك..مع الدكاترة.. مع أي حد تقابله..ومع العمال بالذات..لكن بحذر..فهم القوة النافذة في القسم ، بعد الرئيس مباشرة.. وارجع للنصيحة رقم سبعة.. وافتكر معايا.. يابخت من كان العامل..خاله.. أو عمه.. أو أبوه.. إلخ.. إلخ..

10 ) النصيحة العاشرة :
كن متأكدا دوما..أنك كنت لاشيء قبل الكلية.. وأنك ستصبح بعد التخرج – بعد عمر طوييييييل – لاشيء برضه..
إن الحياة ليست وردية كما يقولون.. بل هي أكثر سوادا من شعرك.. لا مؤاخذة لو كنت أقرع يعني ..
كن دوما مؤمنا بالمقولة الشهيرة.. إذاعجزت عن الحياة في كلية الطب.. فاذهب إلى كلية الآداب.. أو اذهب للجحيم..!!

10` ) النصيحة العاشرة بشرطة :
سيبك من الكلام الفارغ اللي فات ده كله.. وخد المفيد.. انت تشوف ليك أي بنت دكتور كبير أو رئيس قسم .. وتبدأ تظبط نفسك عليها.. وياريت بقى لو بنت العميد.. تبقى الحاجة داعيالك..
لكن خد بالك من العلامة دي.. لازم تكون عارف هو باقي ليه قد إيه .. آه.. ماهو مش موت وخراب ديار ياصاحبي..!!
أما بقى لو ربنا أخده عنده .. دي فيها كلام.. لو في نص السكة..يبقى مالهاش حل تاني.. عليك وعلى العميد الجديد..بس بقى لو الليلة خلصت خلاص.. يبقى انت بقى نحس.. ومش عندك غير الصبر لحد الفرج.. وأرجوك اوعى تنتحر.. لأنك في الغالب هاتروح النار، في أسفل سافلين.. وهناك هاتقابل حماك .. وتبقوا جيران بقى ...!!!!!

أنا قلت كلامي.. وكل واحد بقى وضميره..
سلام..

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

قصص قصيرة - زمن الموت..


" عشر جثث بلا رأس..
عشرون جثة بلا هوية..
وثلاثون..
ارتسمت عليها آيات العذاب..
أربعون جثة..خمسون..
كل يوم.. كل يوم.. "
*****
دوت صرخاته..
تحمل في طياتها آلاما بلا حدود..
ألم العذاب.. ألم النفس.. ألم امتهان الكرامة.. ألم الذل.. ألم الخوف.. وألم الحيرة..
وكان أشدها ايلاما..
الحيرة والإ ستغراب وعدم الفهم..
لم حدث كل هذا.. كيف حدث.. ومتى ابتدأ كل شيء..
وتستمر صرخاته المعذبة.. ليتذكر..
*****
كان شخصا ما.. يحمل اسما ما.. وعنوانا , في بلد ما..
كان يعيش كغيره.. في زمن أسود .. قاتم الملامح..
كان يعيش كغيره..ليرى كيف خربت الأرض.. وامتلأت السماء بسحب البارود.. وانخفضت الشوارع مع دوي الإنفجارات.. وتلونت بلون الدم..
كان يعيش ليرى.. كيف تكون الحرب.. كيف تبدأ ولا تنتهي..كيف يكون الضحايا.. بين من مات..ومن يوشك على الموت.. ومن سيموت..
كان يعيش.. ويرى ما صارت إليه بلاده.. بعد السقوط..
يرى ويتأمل ما حوله..
ويشعر بالزمن القادم..
كان يعيش كغيره.. من الأموات..
*****
حدث ذلك منذ..منذ..
منذ متى ؟
لم يعد يدري.. اختلطت الأيام في ذاكرته..
ربما منذ لم يعد ير نور النهار..
( منذ متى لم ير نور النهار ؟! )
رباه.. ياله من زمن..
حدث ذلك فجأة.. يتذكر ملامحا باهتة للماضي.. مع شعاع شمس يحتضر.. عيون يلتمع فيها الشر.. من خلف لثام.. وأيد قوية, أحاطت به..
ثم عصابة على عينيه.. ليبتدأ عهد الظلام..
منذ ذلك الحين.. لم ير نور الشمس..
بالأحرى.. لم يعد ير أي شيء آخر..
*****
لم يكن يصدق..
كان يسمع الحكايات التي تروى , ولم يصدق..
كان يظن نفسه بعيدا.. بمنأى عما حوله.. داخل قوقعة صلبة , صنعها لنفسه..
كان يسمع..
والآن يرى.. ( يرى ؟! )

*****
أصعب ما في الأمر.. عدم الفهم..
لم هو بذاته.. لم ليس أحدا غيره..
هل هو قانون الصدفة.. هل هي خطة محكمة..
هل هي سخرية القدر..
ومن هؤلاء.. لم يفعلون ذلك.. أهو تكليف رباني..
أي هدف من ذلك..
أسئلة.. أسئلة.. أسئلة..
ولم تكن إجابتها سوى الصمت..
*****
ثم ابتدأ المرح.. !
ضربات من كل مكان.. في كل مكان.. من جسده..
ضربات مبرحة انهالت عليه..بقسوة.. وبلا رحمة..
كان يصرخ..
يصرخ.. ويسمع صدى صرخاته..
لم يكن الصدى..
المسكين لم يدرك أنه ليس وحده.. بل كان هناك آخرون..
وابتدأت الآلام الوحشية.. مع لهيب الحديد يكوي جسده..
كان يصرخ..
يصرخ.. يود لو يعرف.. ماذا يريدون منه..
يعترف ؟ بماذا ؟
ليعترف بأي شيء.. سيعترف بأي شيء..
ربما يتوقف الألم..
سيعترف بأي شيء.. في سبيل أن يوقفوا العذاب..
كان يود لو يصرخ..
يود لو يصرخ..
لكنه لم يعد قادرا على الصراخ..
لم يعد قادرا على أي شيء..
*****
عثروا عليه في صباح أحد الأيام..
جثة ملقاة في اهمال في منطقة خراب.. بلا هوية..وعليها آثار تعذيب..
شاخصة النظرات الى السماء.. كأنما تشتكي إلى الله..
تستجدي الرحمة لروح معذبة , ماتت بلا سبب..
( روح قتلت ظلما.. )
حملوه.. ووضعوه بجوار جثث أخرى.. بلا هوية..
تدوي الصرخات .. ترتفع إلى عنان السماء..
ولتمضي مسيرة الموت..

( تمت )

قصص قصيرة - ميثاق الشرف


" اقتل..
اقتل..
اقتل..
لا مجال للرحمة..
انهم أعداء.."

*****

سكن القصف أخيرا..
الآن يسيطر على الوضع..
تجوس عيناه خلا ل الأنقاض ..يبحث عن احتمالات وجود حياة.. وان كان ذلك يكاد يقترب من الخيال, بعد أن دكت القذائف كل هذه البيوت..
كانت مقاومة شرسة..عليه أن يعترف بذلك..
الأعداء كانوا يقاتلون بكل مالديهم من قوة..لكن فارق التسليح كان في صفه..وميزان القوة كان لديه..
فكان النصر حليفه..
لأنه على حق..
أو هذا هو ما يؤمن به..
*****

ابتعد قليلا عن زملائه..لابد أن يتفرقوا حتى يؤمنوا كل هذه الدروب والأزقة..
في تلك اللحظة..كان يشعر بالخوف..من الممكن الأن أن تنطلق رصاصة غادرة, تنهي كل أفكاره, وأحلامه..تنهي حياته..
مجرد شظية من حديد..ويموت شهيدا..وتخلد ذكراه في الوطن..
نفض رأسه بقوة..
لا داع لهذه الأفكار..من أين تأتي تلك الطلقة, ولا شيء حوله سوى جثث ملقاة..
جثث الأعداء !
" أهديء بالك يا رجل..واصل طريقك..
لقد قتلتهم جميعا.."
*****

فجأة التقطت أذناه الصوت..في البدء كان ضئيلا..ثم ازداد وضوحا..
يأتي من هناك..من ذلك المبنى نصف المتهدم..
تلك القبة الخضراء ذات الهلال, والبرج المرتفع..الذي لم يعد كذلك الآن ..
تلك دار عبادة..
الصوت يأتي من هناك..
" خذ حذرك..هذا المكان مثالي لكي يقتلوك منه..
الأوغاد !"
هكذا تعلمت..
*****

عاد الصوت يخفت من جديد..
خلف هذا الجدار..در ببطء..ببطء..
الآن..ماذا ترى ؟
*****
كان جريحا..
ملقى وسط الأنقاض..ولا زالت الدماء تنزف من جسده..
" فيم تفكر.. انه أحد الأعداء الجرحى..
افعل ما يمليه عليك واجبك..وميثاق الشرف الذي تعلمته..
أد عملك الأن.."
*****

دوى صوت الطلقة..عاصفا يتردد في أذنيه..
سكن الصوت الخافت للأبد..
ويتحرك ليواصل جولته..بكل الفخر الذي ملأ نفسه..
لقد انتهى عمله هنا..
*****

في طريقه خيل اليه أنه يرى أحد الأعداء.. خلف ذلك الجدار..يختبيء..
لكنه يراه بوضوح..
يعود اليه التحفز..يقترب بحذر..يرفع سلاحه..ويستعد لاطلاق النار..
" توقف يارجل..
انه ميت.."
خفض سلاحه في هدوء , وواصل طريقه..
لن يطلق النار..
هذا ما يمليه عليه واجبه..
وميثاق الشرف الذي تعلمه..
فمن العار عليه أن يطلق النار..
على جسد ميت..


(تمت)

قصص قصيرة - في سبيل الموت


" هذه كلماتي.. تحياتي..
الى سلطان الظلم..
لا أدري من سيقرؤها..
لكن, سأظل أرددها..
وليحيا السلطان..
ليحيا السلطان.. "
*-*-*-*-*
الجزء الأول- عن الحرب..
اعتادت يدي حمل السلاح.. بعد أن كانت في وقت ما ملك للقلم والأوراق..
هذه هي الحقيقة..
أنا مجند في جيش دولتنا العظيم.. أبحث عن النصر مع رفاقي..
شراذم من بشر تجمعوا من شتى أنحاء البلاد.. وأتوا معي الى هنا..كي نحارب..
فيهم من هو سيء.. فيهم من يمتلك احساسا بغيره من الناس..
أحتاج الى وقت للتعامل معهم.. وسيكون لي منهم أصدقاء بالتأكيد..
*****
نحن نحارب ..
ليس المهم من نحارب..أو لماذا نحارب.. ففي عالم الوحشية هذا, تتناسى كل مبدأ كنت تتبناه قديما..ويصبح كل شيء هنا.. بلا قيمة..
أي شيء.. سوى الحياة..
ستتعلم كيف تحيا وسط أتون النار.. كيف تنجوا من قذيفة مشتعلة..أو طلقة طائشة..أو شظية لم تجد لها طريقا سوى قلبك المسكين..
ستتعلم..
*****
وستتعلم كل شيء عن الموت..عن الرهبة..عن الرعب..عن اللامبالاة..!!
وأنت ترى رفاقك صرعى..ممدين فوق الثرى.. سترتسم ملامحهم في عينيك.. وربما تغطي دماؤهم كفيك.. وربما تتناثر فوق زيك العسكري الأنيق..
ستتأفف !! ستذهب لتغسل يديك..ربما تتناول طعامك أيضا.. فالموت دوما يذكرك بالحياة..
ثم تعود, فترقبهم.. وقد غابوا عن الدنيا..
وتنتظر دورك..
*****
ودوما.. يكون هناك وقت للتفكير..
أن الموت قد يكون أكثر رحمة.. فينهي حياتك فجأة من حيث لا تدري..أنت هنا, ثم..تصبح ماضيا.. وترقد بجوار رفاقك القدامى..
أو يمكن أن يكون أكثر قسوة.. وتظل تحيا.. لتموت كل يوم..تنبعث من جسدك صرخات..آلام وحشية.. توشك على الموت.. ولاتموت!!
تتمناه..لكنه لا يجيء..
*****
وقد يكون حظك حسنا.. تموت, وتبقى ذكراك..جسدك المتقلص في غمرة الموت.. يوضع في تابوت..ويلف بالعلم..ثم تدفن في باطن الأرض.. وتصدح موسيقى السلام..
وقد تصبح لا شيء.. هباءا تذروه الرياح.. لتبقى ذكراك.. سلسلة قبيحة من معدن..
لن توضع في تابوت.. لن تلف بالعلم.. ولن تدفن في الأرض..
لكن.. ربما تصدح موسيقى السلام..
ـ نهاية الجزء الأول ـ

الجزء الثاني- عن الحصار..

وتحت الحصار تنسى كل شيء عن الماضي..عن الأحلام..عن السعادة..وعن الأمل..
لتحيا في الحاضر الكئيب..
وتنتظر المستقبل المظلم..
تنتظر النهاية..
*****
وتحت الحصار..
ترى وجوها مألوفة.. تتعايش معها.. فهي لا تتجدد..
وتتعلم كل يوم أن تحصي من يتبقى.. بعد كل معركة..
وتتعلم أن تراهن نفسك..
من سيظل الى النهاية..
*****
وتحت الحصار..
قد تتساءل.. مالذي جاء بي الى هنا .. لأموت..
تتساءل.. وربما تدرك أن الأمر كله لا يعدو سخافة..
أناس أرادا أن يعايشوا متعة الحرب..فأرسلوك مع غيرك من رفاقك.. ويمضون وقت فراغهم في متابعتكم على شاشة الأخبار..
ويبدي الناس أسفهم.. على الأبطال ! الفرسان ! الشجعان ! الذين ذهبوا..
ثم يستغرقون في النوم بعد ذلك, بضمائر صافية.. لا تدرك شيئا..
عن الأبطال..الفرسان..الشجعان ! الذين ذهبوا ..
ولن يعودوا..
*****
وتحت الحصار..
تتعلم كيف تحيا في الظلام..لترى الدنيا السوداء.. كأنك تبصر بعين الكفيف..
وقد تكون خائفا من الظلام..لكن لا تستطيع أن تبوح بذلك..
فلا تملك الا دموعا تنساب في صمت..
وشهقات بكاء مكتومة..
*****
وتحت الحصار.. قد يظل الحظ يحالفك لوقت ما..
لكن لا يلبث أن يراوغك.. ويقلب لك ظهر المجن..
ربا لم تلحظ تغير خطي في الكتابة..
لكن بالأمس.. كانت تراودني الأفكار.. تتواجد الكلمات..
تنساب في جملة أريد أن أكتبها..
لكني لا أستطيع..
ولن أستطيع..
فلم أعد أملك يدي..

ـ نهاية الجزء الثاني ـ

الجزء الثالث - عن النهاية..
وترى الموت ماثلا..
أمام عينيك..
ستشعر أن الطريق لم يعد ليمتد أمامك..
" وأنت لم تعد تملك أن تحارب.."
إنما يكون كل شيء ممكنا تحت الحصار..
أنت وحفنة من رفاقك.. هم كل ما تبقى..
" لنستعد للموت.."
وتراودك أفكار غريبة..
عن أمك.. بيتك الواسع.. فتاة أحببتها يوما.. حذاء عسكري لا مع.. السلاح الثقيل..
لون العلم.. الأشياء التي تزحف على الأرض.. اللون الأخضر يعني الحياة.. رداء
الموت الفضفاض.. ضحكة ساخرة.. نحيبك..
وصوت الصرخات..
صوت الصرخات..
صوت الصرخات..
*****
ثم لم يعد هناك شيء..
انتهى كل شيء..

- نهاية الجزء الثالث
ونهاية القصة -

( تمت )

الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

البداية

البداية دوما تكون صعبة..
لكن معي أنا تكون دوما مستحيلة ..!
فلنحاول أن نبدأ إذن..